تحويل المبادرات إلى ممارسات مستدامة
تُعد جمعية المسؤولية المجتمعية -تابعة للمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي- إحدى النماذج الوطنية الرائدة التي تجسّد التحول الإيجابي في وعي المجتمع السعودي تجاه مفاهيم التنمية المستدامة والتكافل الوطني، فمنذ تأسيسها في مايو 2019م كأول جمعية سعودية متخصّصة في مجال المسؤولية المجتمعية ومرخّصة رسميًا من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تبنّت جمعية المسؤولية المجتمعية والتي تتحظى بدعم واهتمام من صاحبة السمو المكلي الأميرة حصة بنت سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الفخري للجمعية رسالةً سامية تتمثل في تجسير العلاقات بين القطاعات الثلاثة الحكومي، والخاص، وغير الربحي، لتكوين منظومة عمل متكاملة تخدم الإنسان والمكان انطلاقاً من مستهدفات رؤية 2030، وقرار مجلس الوزراء في تاريخ 28/4/1444هـ -الموافق 22 نوفمبر 2022م- نصّ على أن يكون يوم 23 مارس من كل عام يوماً للمسؤولية الاجتماعية في المملكة، ليكون يوما وطنيا يُضيء على تلك الممارسات وشركاءها من القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني.
وجاء في المحتوى الرسمي أن هذا اليوم يمثّل عنواناً للتكامل بين الحكومة والمؤسسات والشركات الوطنية وأفراد المجتمع في البناء والتطوير، والمساهمة في التنمية الوطنية الشاملة، وتعزيزاً لقيم المواطنة الراسخة في العطاء والتكافل الاجتماعي، وانطلاقًا من إيمان الجمعية بأن التنمية الشاملة لا تتحقق إلاّ بمشاركة المجتمع بمختلف قطاعاته، عملت الجمعية على تعزيز ثقافة المسؤولية المجتمعية ونشر ممارساتها المؤسسية عبر البرامج والملتقيات والدورات والمبادرات النوعية، لتصبح اليوم منصة وطنية للتكامل والشراكة في العمل الاجتماعي والتنموي، وركيزة أساسية في بناء مجتمع منتج ومتعاون يسهم في رفعة الوطن وازدهاره.
وتأسّست جمعية المسؤولية المجتمعية في شهر مايو/2019م كأول جمعية سعودية متخصّصة في مجال المسؤولية المجتمعية، مرخّصة لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتنطلق من رؤية واضحة تهدف إلى تجسير العلاقات بين القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص وغير الربحي، وتأصيل مفهوم المسؤولية المجتمعية، وتعزيز ممارساتها داخل المملكة، وفي هذا التقرير الصحفي سنستعرض سياق التأسيس، الأهداف، البرامِج والمبادرات، بعض الإحصائيات المتاحة، والتحديات والاتجاهات المستقبلية.
تفاهم وتعاون
وجاء التأسيس ضمن مسعى لتعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية في المملكة، في سياق رؤية 2030 التي تضمنت رفع مستوى مشاركة القطاع الخاص والمجتمع في التنمية المستدامة، وفي 2 مايو 2019م، تم تدشين الجمعية خلال “ملتقى المسؤولية الاجتماعية الأول” الذي نظّمته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالرياض، كأحد أبرز المبادرات الوطنية التي أطلقتها الوزارة لتعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى القطاعين العام والخاص، ودعم الشراكات بين القطاعات الثلاثة: الحكومي والخاص وغير الربحي، وقد جاء تنظيم هذا الملتقى ليُرسّخ توجه المملكة في إدماج مبادئ المسؤولية الاجتماعية ضمن رؤية 2030، بوصفها أحد محركات التنمية المستدامة وبناء مجتمع واعٍ يشارك في تحقيق الرفاه الوطني، وشهد الملتقى مشاركة نخبة من المسؤولين التنفيذيين والخبراء ورواد العمل الاجتماعي، الذين ناقشوا آليات تطوير الممارسات المؤسسية في هذا المجال، واستعرضوا قصص نجاح وطنية وتجارب رائدة لشركات تبنّت مبادرات اجتماعية مؤثرة، كما تخلّل الملتقى توقيع عدد من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون بين الوزارة والقطاع الخاص لتبني مبادرات تنموية تسهم في تمكين الشباب ودعم الجمعيات الأهلية وتوطين الوظائف، بالإضافة إلى إطلاق جائزة المسؤولية الاجتماعية لتشجيع المؤسسات على الإبداع في خدمة المجتمع، وتم ترخيص الجمعية تحت رقم 1257 لدى الوزارة، والمقرّ الرئيس للجمعية في مدينة الرياض، وتعرّف نفسها بأنها أول جمعية سعودية متخصصة بالمسؤولية المجتمعية.
برامج تحفيزية
ومن أبرز أهداف ومهام الجمعية تمكين المسؤولية الاجتماعية في القطاعات الثلاث الحكومي، والخاص، وغير الربحي لتحقيق الاستدامة، وتجسير العلاقات بين هذه القطاعات لتعاون أكثر فعالية في القضايا المجتمعية، وتأصيلاً لمفهوم المسؤولية المجتمعية، ودعم البحوث والدراسات، وتوفير خدمات استشارية وتأهيل، وكذلك دعم قضايا المسؤوليّة الاجتماعية واستثمار الإعلام في نشرها، حيث يشكل دعم قضايا المسؤولية الاجتماعية في المملكة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الوعي الجماعي بدور كل قطاع في خدمة المجتمع، ويأتي هذا الدعم من خلال توحيد الجهود بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام، بما يضمن تحويل المسؤولية الاجتماعية من مبادرات متفرقة إلى منظومة وطنية مؤسسية ذات أثر ملموس، وتتبنى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والجهات ذات العلاقة عدداً من المبادرات لتفعيل المسؤولية الاجتماعية، مثل إطلاق جوائز وبرامج تحفيزية للشركات والمنشآت التي تقدم مشاريع اجتماعية مؤثرة، وتخصيص إدارات للمسؤولية الاجتماعية في الوزارات والهيئات الكبرى لضمان استدامة البرامج، وتشجيع الشراكات المجتمعية بين القطاعين العام والخاص لتوجيه الإنفاق الاجتماعي نحو قضايا تنموية محددة كتمكين الشباب، حماية البيئة، دعم الأسر المنتجة، والتطوع، وقياس الأثر الاجتماعي للمبادرات عبر مؤشرات الأداء وربطها بمستهدفات رؤية 2030، وكذلك تفعيل دور الإعلام في نشر وتعزيز المسؤولية الاجتماعية بمختلف وسائطه –يعد الذراع الأقوى لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية وتوسيع دائرة تأثيرها-، ويتجلى دوره في إبراز النماذج الناجحة للشركات والمؤسسات التي تبنّت مشاريع اجتماعية مؤثرة، مما يخلق “عدوى إيجابية” لدى الآخرين، وتحريك الرأي العام نحو قضايا إنسانية وتنموية تحتاج إلى دعم مجتمعي، إضافةً إلى بناء صورة ذهنية إيجابية عن المؤسسات الملتزمة بمسؤوليتها الاجتماعية، مما يعزز التنافس الشريف في هذا المجال.
تأهيل الكفاءات
ومن خلال المصادر المتاحة، هذه بعض أبرز البرامج والمبادرات التي أطلقتها الجمعية؛ برنامج ملتقى المسؤولية المجتمعية ويُعد هذا البرنامج من أبرز الأنشطة التي أطلقتها الجمعية لتأصيل مفهوم العمل المجتمعي المؤسسي في المملكة، ويهدف الملتقى إلى تحويل المسؤولية الاجتماعية من مبادرات موسمية إلى ممارسة مستدامة، عبر عقد جلسات علمية، وأوراق عمل، ودراسات بحثية تلامس واقع القطاعين العام والخاص، كما يُسهم في بناء جسور التواصل بين الخبراء والمهتمين من مختلف الجهات، ويطرح الحلول العملية لتفعيل الشراكات بين القطاعات الثلاثة الحكومي، والخاص، وغير الربحي، وقد استضاف الملتقى نخبة من المتخصصين والأكاديميين الذين عرضوا تجارب ناجحة لمؤسسات وطنية رائدة في هذا المجال، مما جعل منه منصة حوارية وطنية تسهم في رسم خارطة طريق للمسؤولية المجتمعية وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030، كذلك ديوانية المسؤولية المجتمعية، وهو لقاء شهري دوري تنظمه الجمعية بهدف تبادل الخبرات والأفكار بين القيادات والمهتمين بالشأن المجتمعي، وتُعد هذه الديوانية مساحة حوار مفتوحة تجمع بين المسؤولين ورواد الأعمال والشباب لتسليط الضوء على أبرز القضايا التنموية، واستعراض المبادرات الوطنية الملهمة، كما تعمل على تعزيز ثقافة التطوع والمشاركة المجتمعية، وتبنّي مقترحات عملية تسهم في تحسين جودة الحياة. وغالبًا ما تختتم اللقاءات بتوصيات بناءة تُرفع للجهات ذات العلاقة لتطوير سياسات المسؤولية الاجتماعية وتوسيع نطاقها في المجتمع السعودي، وكذلك الدبلوم التنفيذي في المسؤولية الاجتماعية، والذي أطلقته الجمعية، وهذا البرنامج التدريبي يعد كأحد أدوات تأهيل الكفاءات الوطنية القادرة على إدارة برامج المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات، ويهدف الدبلوم إلى تزويد المشاركين بالمعارف والمهارات الحديثة في التخطيط والتنفيذ والتقييم للمبادرات الاجتماعية، من خلال مناهج علمية متقدمة تُدرَّس على أيدي خبراء محليين ودوليين، كما يُعد البرنامج منصة لبناء قادة اجتماعيين يمتلكون الوعي المهني بمفاهيم الاستدامة، وطرق مواءمة المسؤولية المجتمعية مع الأهداف المؤسسية، الأمر الذي يسهم في نقل التجارب العالمية إلى بيئة العمل السعودية بما يتوافق مع القيم الوطنية.
تسخير التقنية
وأطلقت الجمعية العديد من المبادرة وخصوصاً خلال جائحة كورونا في ذروة الأزمة العالمية، مستهدفةً المواطنين السعوديين العائدين إلى أرض الوطن، ونُفذت بالشراكة مع وزارتي الصحة والسياحة وعدد من الجهات ذات العلاقة لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والخدمات المساندة للعائدين في مراكز الحجر والفنادق، كما شملت المبادرة تنظيم فرق تطوعية لتقديم المساعدة والإرشاد، مما عكس صورة حقيقية للتكافل المجتمعي وروح التضامن الوطني، وقد لاقت إشادة واسعة من الجهات الرسمية والمجتمع لما حملته من رسائل إنسانية عميقة تعزز ثقة المواطن بمؤسسات بلده، كما سبق وأطلقت مبادرة “العيد فرحتكم”، وتأتي هذه المبادرة ضمن برامج الجمعية ذات الطابع الإنساني، حيث تستهدف إدخال البهجة إلى قلوب المرضى المنومين في المستشفيات خلال أيام عيد الفطر وعيد الأضحى، ويتطوع أعضاء الجمعية وعدد من الشباب والشابات لزيارة المرضى وتقديم الهدايا لهم ورسم الابتسامة على وجوههم، كما تُسهم المبادرة في نشر قيم الرحمة والعطاء، وتعزيز الترابط الاجتماعي داخل المجتمع السعودي، وتحظى المبادرة بدعم مستمر من المؤسسات الصحية والإعلامية لما تتركه من أثر نفسي إيجابي على المستفيدين وأسرهم، وكذلك مبادرة “هاكاثون” المسؤولية المجتمعية، وتُعد هذه المبادرة واحدة من أكثر الفعاليات ابتكارًا، إذ جمعت 48 طالبًا وطالبة من مختلف الجامعات السعودية عام 1444هـ/2023م بهدف تطوير حلول رقمية ذكية تعزز مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وعمل المشاركون ضمن فرق تنافسية لتصميم تطبيقات ومنصات رقمية تُسهم في تسهيل الوصول إلى فرص التطوع والعمل المجتمعي، وقد شجّعت المبادرة الشباب على تسخير التقنية لخدمة المجتمع وربط الإبداع التقني بالقيم الإنسانية، كما خرجت بتوصيات مهمة لتطوير البنية الرقمية للقطاع غير الربحي بما يتماشى مع التحول الرقمي الوطني.
مرجع موثوق
ومع التحول التنموي الشامل الذي تشهده المملكة في ظل رؤية 2030، أصبحت المسؤولية المجتمعية أحد المحاور الاستراتيجية التي تسهم في بناء الإنسان والمكان وتعزيز التنافسية الوطنية، ومن هنا، يمكن لجمعية المسؤولية المجتمعية أن تضطلع بدور محوري من خلال تحويل خبرتها التراكمية وبرامجها النوعية إلى مركز وطني للتميز المعرفي في هذا المجال، كما يمكن للجمعية أن تتولى وضع الأدلة الإرشادية والمعايير الوطنية للمسؤولية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والهيئات المتخصصة، وهذا الدور سيجعلها مرجعًا موثوقًا للمؤسسات الراغبة في تطوير ممارساتها، وتوحيد المفاهيم والمصطلحات بما يتوافق مع البيئة السعودية، كما يمكنها قيادة عملية التحول من المبادرات الخيرية إلى المشاريع التنموية المستدامة عبر قياس الأثر الاجتماعي ومتابعة مؤشرات الأداء، ومن خلال برامجها التدريبية والدبلومات التنفيذية، تستطيع الجمعية أن تخرج جيلًا من القادة الاجتماعيين القادرين على إدارة المبادرات بكفاءة وربطها بمستهدفات التنمية الوطنية، كما يمكنها تطوير برامج زمالة وبحث علمي تُسهم في إنتاج معرفة سعودية في مجال المسؤولية الاجتماعية، مما يرفع تصنيف المملكة عالميًا في مؤشرات التنمية المستدامة، خصوصاً وأن الجمعية تملك فرصة لتكون همزة الوصل بين القطاعات الثلاثة، من خلال توقيع مذكرات تفاهم ومبادرات مشتركة تجمع بين رأس المال والخبرة والمجتمع، ومن شأن هذه الشراكات أن تُوجّه الإنفاق الاجتماعي إلى مجالات ذات أثر وطني مثل تمكين المرأة، التحول الرقمي، دعم المشاريع الصغيرة، والبيئة، كما يمكن للجمعية إطلاق منصة وطنية لتوثيق المبادرات الاجتماعية وتبادل الخبرات بين الشركات والمؤسسات.
ويمكن للجمعية أن تعزز حضورها الإعلامي لتكون صوتًا مؤثرًا في الرأي العام حول قضايا التنمية والمسؤولية، عبر حملات توعوية وشراكات مع الصحف والقنوات والجهات الرقمية، فالإعلام شريك إستراتيجي في توجيه السلوك المجتمعي، ونشر ثقافة العطاء، وإبراز النماذج الوطنية الملهمة، واقتناص الفرص في ظل التحول الوطني، حيث المملكة تتجه اليوم نحو اقتصاد متنوع ومجتمع رقمي، وهو ما يفتح أمام الجمعية فرصًا غير مسبوقة لتبني مشاريع مبتكرة في مجالات مثل الاستدامة البيئية والطاقة النظيفة، والمسؤولية الرقمية والذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمع.